الاثنين, 27 أكتوبر 2008 18:13
من أهم ما يعاب على تاريخ نشأة المسيحية إختفاء أية أصول ووثائق قديمة وعدم الإحتفاظ إلا بما صاغته الأيادي العابثة، وهو ما ضمنته الأناجيل الأربعة، وما أطلقت عليه كتب وتراث الآباء، وبخلاف ذلك لا أثر لتلك النشأة بصورة علمية موثقة، وهو ما سوف نعرضه من خلال أربعة مقالات لهذه الجزئية، أى لدى المؤرخون القدامى
بمختلف أحقابهم، وهم المؤرخون اليهود، والمؤرخون الوثنيون، والمؤرخون اليونان، والإمبراطور جوليان لأنه يمثل نقطة فارقة أو علامة كاشفة سنراها فى حينها. ونبدأ بالبند الأول:
1– المؤرخــــون اليــــهــود:
فــيلون السكندري (13 -20 ق.م -54 م ) Philo of Alexandria
فيلسوف ومثـقـف، ولــد أيــام هيـرود الأكـبر، وتـوفى عـام 54م، أي أنه فرضاً يُعـد معاصراً تماماً ليسوع، وهـو شـديـد الإلمام بكل ما يتعلق باليهود , وتتضمن أعماله 57 عملاً، منها كتاب بعنوان "عصر بيــلاطس " وهـو كتاب لو استطاع أن يضمنه شيئاً عن يسوع المسيح لـوجـد عشرات الإمكانيات، لكنه لم يـذكر يسـوع مـُطلقاً.
ويُعـد فيـلون من كبار مـثـقـفي عصره وأنه شـديد الأمانه الموضوعية ومشهود له بأنه لا يغــفل كبيرة ولا صغيرة في الموضوع الـذي يتناوله. وذلك ما إتبعه في كل كتاباته المتعلقة بالطوائف الدينية المتعـددة، لذلك لا يملك المرء إلا أن يتساءل: لماذا لا يـذكر شيئاً عن يسوع وحـواريـيه، خاصة وأن شعبية يسوع – وفـقاً للوثـائق الرسمية – كانت تـفوق الآفـاق، وأنها تعـدت سـوريا، وأنهم أحضروا كل المرضى ليشفيهم، ولا يـذكر شيئاً عن ألاف الأشخاص الـذيـن إتبعوه وأطعمهم بمضاعـفة الخبز والسمك.. خاصة لا يـذكر فيلون شيئاً عن عملية "صـلب " المسيح ولا عـن تلك القـيامة المتـفردة بين الأمـوات، أو عن أولئك الموتى الذين عـادوا إلي الحياة وراحـوا يتجولون في المدينه ! وكلها أحـداث لا يمكن لمـؤرخ بمثل دقـة فـيلون أن يغفلها أو ألا يــذكر عنها سيئاً.
بل المعروف أن فـيلـون كان من الشجاعة بحيث أنه سـافـر إلي رومــا لمقابلة الإمبراطور الـرومـاني كاليجـولا دفـاعاً عن اليهود ضحايا الإضطهاد الـدامي سنة 39 في الأسكندرية. فاستقبله كاليجولا لكنه لم يستجب لمطلبه.. وبعد عـودته إلي الإسكندرية راح يواصل كتابة أعماله التي لا يـرد بها أي ذكـر ليسـوع أو لجماعة المسيحـيين السكندريين ومنهم المـدعـو أبـوللونيـوس الطـواني، الذي يـُقال عنه أنه كان منافساً أو شبيهاً ليسوع الرسـول.
وكان فـيلون تـلميذاً لأفـلاطـون، صاحب نظـرية "اللوجس" أو "الكلمة" وما أكثر ما كتبه عنها وعن العـلاقة بين الله العــالِم بكل شيئ وبين تلك الـدنيا بنواقـصها. وسرعان ما جعل من "الكـلمة" كائناً مستـقلاً قـد خـلق كل شيئ لأنه يحتوي على الصفات الإلهية، وكل المخلوقات نتجت عنه وهـو غير مخلوق ومنبثق من الله ذاتـه.. وما أشبه بذلك ببـداية إنجيل يوحنا الذي يـبدأ بعبارة : " وفي البدء كانت الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله " (1:1 ).
أي أن فكرة "الكلمة" كانت واردة في الـفكر الفلسفي ولم يضـف إليها إلاعبارة "التجـسد" التي أضيفـت في القرن الثاني.
والأكثر من ذلك أن القـس الإيطالي ليـوجي كاتشيولي الذي خـرج عن سلك الرهبنه، وهو من مـواليد عـام 1934 م، يـؤكد في كتابه المعنون : " مهـزأة المسيح " أن فيلون السكندري كان ينتمي إلي جماعة الأسينيين، ورغمها " لايـذكر أبـداً أي شيئ عن يسوع أو المسيحيين، بل بالعكس تماماً، نــراه يستبعدهم من أعماله المكتوبه فيما بين سنة 50 و 60م، ويتحدث عن ( لوغـوس) لا يزال سوف يأتي روحياً، وبذلك فهو ينكر أي مجيئ ليسوع في شكل مادي " (صفحة 109 ).
فـلافــيوس جوزيف (حوالي 37م -100) Flavius Joseph
وُلــد جوزيف عــام 37م من أسـرة يهودية ميسورة الحـال وتـم تعيينه حاكماً على الجلـيل في بـداية ثورة 66، وقـد تـولى قيادة المحاربين ضد الـرومان. ثــم إعتقله الإمبراطور فـسبـازيـان وسـرعان ما إنـقلب موقـف فـلافيوس جـوزيف، إنقـاذاً لحياته، ليصبح متعـاوناً بحماس مع الرومـان، الأمُـر الــذي سمح له بالحصول على الجنسية الــرومانية، إلا أن ذلك لا يمنع من أنه من كبار مـؤرخي عصره، ومن أهــم مـؤلفـاته:"حـرب اليهـود ضـد الــرومـان" من سبعة مجـلـدات، و "الأثــار اليهودية "أو"التاريخ القـديم لليهـود" من عشرين مجلداً، إضافة إلي مـؤلف "ضـد أبـيـون" من جزئين وسيرته الذاتية.
وفي كل هـذا الكم المستفيض خاصة في كتابه آثــار اليهود، وقــد ضمنها منذ عصر سـفر التكوين حتى حرب اليهود مع الرومان سنة 66م، لايوجد سوى فـقرة من بضعة أسطر تقول:
"وفي نـفس العصر آتى يسوع، إنه رجـل عـاقـل، إذا كان يجب أن نطلق عليه رجـلاً. لأنه كان صانع مُعجزات وسيد الرجال الذين يتلقـون عنه الحقيقة بسعادة. وقــد جــذب إليه العـديد من اليهود والهلليـنين، أنه كان المسيح، وعندما حكم عليه بيــلاطس بالصلب بناء على وشاية من مواطنينا الأوائل، لم يكف الذين كانوا يحبونه عن الإعجاب به لأنه ظهر لهم بعد ثـلاثة أيــام، لقد قام، إذ كان الأنبياء الـقدامى قـد أعلـنوا ذلك وآلاف الأشياء الأخـرى بشأنه. والجماعة التي يطـلق عليها المسيحيين لم تخـتف بعـد"!
ولو كانت هــذه الفـقرة نصاً أصلياً لكانت حاسمة، إلا أن كافة العلماء يجمعون على أنها إضافة تحريفية لاحـقة. فهي من ناحية، لم تكن موجـودة في أقــدم نسخة من "أثــار اليهـود" تلك التي كان يمـتلكها أوريجـين في مطلع القـرن الـثالث والـذي كان يـؤكد أن فيلافيوس جـوزيف كان يرفض "الإعتـقاد بالمسيح" ومن المعروف أن فـيلافيوس جـوزيف كان شـديد التمسك باليهودية الفاريسية، وهو ما يبدو في كل أعماله، خاصة في سيرته الذاتية وفي الكتاب الهجومي الذي ألفه "ضد أبيون".
ويــؤكد الأب جيليـيه أمين مكتبة سانت جنـفيـيف ومـترجم أعمال فـيلافيوس جوزيف سنة 1756: "أن التناقضات والتحريف يتـولد أمامي في كل خطوة. إنني مضطر إلي القول بأن كتاباته قـد تــم تعــديلها بحيث أصبح يتناقض مع نفسه، وأخشى من تكرار ذلك القـول وأثــره غير الحميد على أعماله ".
ويـوضح روجــيه بـترينيـيه (Roger Peytrignet) إن "المسيحيين قــد إستولوا على أعمال جــوزيف، إذ أن مـواطنيه قــد تباعـدوا عنه، لإنضمامه إلي صفـوف الرومان، وراحــوا يحرفـونها وفـقاً لهــواهـم"،( " يـسوع المســيح أسطـورة أم شخص تـاريخي " صـفحة 29 ).
ويـؤكـد كل من ألفاريك وكوشو، في كتابه لهما حول "مشكلة يسوع وأصول المسيحية"، إستحـالة أن ينطق فـلافـيوس جـوزيف بمثل هـذا القــول "لأنه لو كان قـد قاله حقاً لكان مسيحياً. إلا أنه كان شـديد التعلق بيهوديته الفـاريسية، وهو ما نُــطالعه في مؤلفــاته اللاحـقة ".
وإجماع أخــر من كافة الباحثين على أن تلك الفــقرة أضيفت بفعل فاعل يوضح أن الجـزء الذي أضيفت فيه لا يتـفـق وسـياق الكلام، حيث إن جــوزيف كان يتحدث عن المصائب التي لحقت بمواطنيه أيام بـيلاطس. وأنه إذا ما حـذفت تلك الفـقرة فإن سياق الكلام يتواصل بموضوعية واضحة !
الإثنين أغسطس 10, 2009 9:48 am من طرف فارس الاسلام
» خطاب ال138 والفاتيكان
الأحد أغسطس 02, 2009 5:48 pm من طرف فارس الاسلام
» وتمخض المؤتمر عن مطالب بنديكت
الأحد أغسطس 02, 2009 5:38 pm من طرف فارس الاسلام
» وثيقة في زماننا هذا وعلاقات الكنيسة بالإسلام
الأحد أغسطس 02, 2009 5:32 pm من طرف فارس الاسلام
» الفاتيكان وعصر التنوير
الأحد أغسطس 02, 2009 5:18 pm من طرف فارس الاسلام
» تكملة الموضوع
الأحد أغسطس 02, 2009 5:04 pm من طرف فارس الاسلام
» خديعة حوار الأديان إلى أين ??
الأحد أغسطس 02, 2009 5:03 pm من طرف فارس الاسلام
» لمسيحية والمؤرخــــــــــون الــقدامى 1/4
الأحد أغسطس 02, 2009 4:27 pm من طرف فارس الاسلام
» توجيهات من أجل حوار بين المسيحين و المسلمين، للكاردينال موريللا..
الأحد أغسطس 02, 2009 4:13 pm من طرف فارس الاسلام